تحريك لليسار
عوامل الانتصار في الحرب الناعمة ندوة فكرية محاضرة ندوة فكرية أمسية ثقافية شعرية الحفل السنوي لتخريج طلاب ورواد مركز الإمام الخميني الثقافي كتب حول الإمام سلسلة خطاب الولي متفرقات
سجل الزوار قائمة بريدية بحث
 

 
مواضيع ذات صلة
الإمام علي ع في فكر الخميني قدهعزّة النفس والإحساس بالمسؤوليةالتوجّه الشعبي وحبّ الناسمئة كلمة عرفانيةروح الله الموسوي الخميني لا يوجد أي مقال
 
التصنيفات » مقالات متفرقة
مراتب جهاد النفس في فكر الإمام الخميني
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة  
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث سريّة فلّما رجعوا قال:"مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر.  فقيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: جهاد النفس".

حقيقة النفس الإنسانية ومراتبها
الإنسان أعجوبة وله نشأتان وعالمان:
1- نشأة ظاهرية ملكية دنيوية، وهي بدنه.
2- ونشأة باطنية غيبية ملكوتية، وهي من عالم آخر.

ولنفس الإنسان - وهي من عالم الغيب والملكوت - مقامات ودرجات، قسَّموها بصورة عامة إلى سبعة أقسام حيناً، وإلى أربعة أقسام حيناً آخر، وحيناً إلى ثلاثة أقسام، وحيناً إلى قسمين.

ولكلٍّ من المقامات والدرجات جنود رحمانية وعقلانية تجذب النفس نحو الملكوت الأعلى وتدعوها إلى السعادة.

وجنود شيطانية وجهلانية تجذب النفس نحو الملكوت السفليّ وتدعوها للشقاء.

ودائماً هناك جدال ونزاع بين هذين المعسكرين، والإنسان هو ساحة حربهما.

فإذا تغلّبت جنود الرحمن كان الإنسان من أهل الصلاة والرحمة وانخرط في سلك الملائكة وحُشِر في زمرة الأنبياء والأولياء والصالحين.
وأما إذا تغلّب جند الشيطان ومعسكر الجهل، كان الإنسان من أهل الشقاء والغضب، وحشر في زمرة الشياطين والكفار والمحرومين.

جهاد النفس في مرتبة الظاهر
إنّ مقام النفس الأول ومنزلها الأسفل، هو منزل الملك والظاهر وعالمها. وفي هذا المقام تتألّق الأشعة والأنوار الغيبية في هذا الجسد الماديّ والهيكل الظاهريّ، وتمنحه الحياة العرضية، وتجهّز فيه الجيوش، فيكون ميدان المعركة هو نفس هذا الجسد، وجنوده هي القوى الظاهرية التي وجدت في الأقاليم السبعة وهي:
1- الأذن.
2- العين.
3- اللسان.
4- البطن.
5- الفرج.
6- اليد.
7- الرجل.

وجميع هذه القوى المتوزّعة في تلك الأقاليم السبعة هي تحت تصرّف النفس في مقام الوهم.

فالوهم سلطان جميع القوى الظاهرية والباطنية للنفس. فإذا تحكّم الوهم على تلك القوى سواء بذاته أو بتدخّل الشيطان، جعلها جنوداً للشيطان.

وبذلك تصبح هذه المملكة تحت سلطان الشيطان، وتضمحلّ عندها جنود الرحمن والعقل، وتنهزم وتخرج من نشأة الملك وعالم الإنسان وتُهاجر عنه، وتغدو هذه المملكة خاصة بالشيطان.

وأمّا إذا خضع الوهم لحكم العقل والشرع، وكانت حركاته وسكناته مقيّدة بالنظام والعقل والشرع، فستكون هذه المملكة روحانية وعقلانية، ولن يجد الشيطان وجنوده محطّ قدم لهم فيها.
إذاً فجهاد النفس، وهو الجهاد الأكبر الذي يعلو على القتل في سبيل الله، هو في هذا المقام، عبارة عن انتصار الإنسان على قواه الظاهرية، وجعلها تأتمر بأمر الخالق، وتطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنوده.

جهاد النفس في مرتبة الباطن
إنّ للنفس الإنسانية عالماً ومقاماً آخر، هو مملكتها الباطنية ونشأتها الملكوتية، وفيها تكون جنود النفس أكثر وأهمّ ممّا في مملكة الظاهر، والصراع والنزاع فيها بين الجنود الرحمانية والشيطانية أعظم والانتصار فيها أشدّ وأهمّ، بل إنّ كلّ ما في مملكة الظاهر قد تنزّل من الباطن وظهر في عالم المُلك.

وإذا تغلّب أيٌّ من الجند الرحمانيّ أو الشيطانيّ في مملكة الباطن، تغلّب أيضاً في هذه المملكة الظاهرية.

وجهاد النفس في هذا المقام مهمٌّ للغاية عند المشايخ العظام من أهل السلوك والأخلاق، بل ويُمكن اعتبار هذا المقام منبع جميع السعادات والتعاسات، والدرجات والدركات.

القوى الباطنية للنفس وصورها
إنّ الله تبارك وتعالى قد خلق بيد قدرته وحكمته في عالم الغيب وباطن النفس قوىً لها منافع لا تُحصى. ومورد بحثنا هنا هو ما يتعلّق بهذه القوى الثلاث وهي:
1- القوّة الوهمية.
2- القوّة الغضبية.
3- القوّة الشهوانية.

ولكلّ واحدة من هذه القوى منافع كثيرة، لأجل الحفاظ على الإنسانية وأعمال الدنيا والآخرة، كما ذكر ذلك العلماء.

والذي يلزم أن أُنبّه عليه في هذا المقام هو أنّ هذه القوى الثلاث هي منبع جميع الملكات الحسنة والسيئة، وأصل جميع الصور الغيبية الملكوتية.

وتفصيل هذا الإجمال، هو أنّ الإنسان كما أنّ له في هذه الدنيا صورة ملكية دنيوية، خلقها الله تبارك وتعالى على كمال الحُسن والجمال والتركيب البديع، والمتحيّرة إزاءها
عقول جميع الفلاسفة والعظماء، والتي لم يستطع علم معرفة الأعضاء والتشريح حتّى الآن أن يتعرّف إلى حالها بصورة صحيحة، وقد ميّز الله تعالى هذا الإنسان عن جميع المخلوقات بحسن التقويم وجودة جمال المنظر، كذلك فإنّ للإنسان صورة وهيئة وشكلاً ملكوتياً غيبياً، وهذه الصورة تابعة لملكات النفس والخلقة الباطنية.

استقامة الباطن في الدنيا شرط للاستقامة في الآخرة
وفي عالم ما بعد الموت - سواء في البرزخ أو القيامة - إذا كانت خلقة الإنسان في الباطن والسريرة إنسانية، كانت الصورة الملكوتية له صورة إنسانية أيضاً.

وأما إذا لم تكن ملكاته3 ملكات إنسانية، فصورته في عالم ما بعد الموت تكون غير إنسانية أيضاً، وهي تابعة لتلك السريرة والملكة.

فمثلاً: إذا غلبت على باطنه ملكة الشهوة والبهيمية، وأصبح حكم مملكة الباطن حكم البهيمية، كانت صورة الإنسان الملكوتية على صورة إحدى البهائم التي تتلاءم وذلك الخلق.

وإذا غلبت على باطنه وسريرته ملكة الغضب والسبعية، وكان حكم مملكة الباطن والسريرة حكماً سبعياً، كانت صورته الغيبية الملكوتية صورة أحد السباع والبهائم أيضاً.

وإذا أصبح الوهم والشيطنة هما الملكة، وأصبح للباطن والسريرة ملكات شيطانية، كالخداع والتزوير والنميمة والغيبة، صارت صورته الغيبية الملكوتية على صورة أحد الشياطين بما يتناسب وتلك الصورة.

ومن الممكن أحياناً أن تتركّب الصور الملكوتية من ملكتين أو عدّة ملكات، وفي هذه الحالة لا تكون على صورة أيٍّ من الحيوانات، بل تتشكّل له صورة غريبة، هذه الصورة بهيئتها المرعبة المدهشة والسيّئة المخيفة لن يكون لها مثيل في هذا العالَم.

يُنقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ بعض الناس يُحشرون يوم القيامة على صورة تكون أسوأ من صور القردة4، بل وقد تكون لشخص واحد عدّة صور في ذلك العالم، لأنّ ذلك العالَم ليس
كهذا العالَم، حيث لا يُمكن لأيّ شيء أن يتقبّل أكثر من صورة واحدة له، وهذا الأمر يُطابق البرهان وثابت في محلّه أيضاً.

واعلم أنّ المعيار لهذه الصور المختلفة، هو وقت خروج الروح من هذا الجسد، وظهور مملكة البرزخ، واستيلاء سلطان الآخرة؛ الذي أوّله في البرزخ عند خروج الروح من الجسد، فبأيّة ملكة يخرج بها من الدنيا، تتشكّل على ضوئها صورته الأخروية، وتراه العين الملكوتية في البرزخ، وهو نفسه أيضاً عندما يفتح عينيه في برزخه، ينظر إلى نفسه بالصورة التي هو عليها، هذا إذا كان لديه بصر.

وليس من المحتّم أن تكون صورة الإنسان في ذلك العالم على نفس تلك الصورة التي كان عليها في هذه الدنيا.

يقول الله سبحانه وتعالى على لسان بعض: ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا﴾.

فيأتيه الجواب من الله تعالى: ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾.

نصيحة
فيا أيّها المسكين قد كانت لديك عين ملكية ظاهرة وهي البصر، ولكنّك في باطنك وملكوتك كُنتَ أعمى، وقد أدركتَ الآن هذا الأمر، وإلاّ فإنّك كُنتَ أعمى منذ البداية، حيث لم تكن لديك عين البصيرة الباطنية التي ترى بها آيات الله.

أيّها المسكين! أنت ذو قامة متناسقة وصورة جميلة في التركيب الملكيّ (الظاهريّ). ولكن معيار الملكوت والباطن غير هذا. عليك أن تُحرز الاستقامة الباطنية كي تكون مستقيم القامة في يوم القيامة.

يجب أن تكون روحك روحاً إنسانية كي تكون صورتك في عالم البرزخ صورة إنسانية..

أنت تظنّ أنّ عالم الغيب والباطن، وهو عالم كشف السرائر وظهور الملكات، مثل عالم الظاهر والدنيا، حيث يُمكن أن يقع الخلط والاشتباه...
إنّ عينيك وأذنيك ويديك ورجليك وسائر أعضاء جسدك جميعها، ستشهد عليك بما فعلتَ، بألسنة ملكوتية، بل وبعضها بصورة ملكوتية.

أيّها العزيز! افتح سمع قلبك، وشدّ حزام الهمّة على وسطك، وارحم حال مسكنتك لعلّك تستطيع أن تجعل من نفسك إنساناً، وأن تخرج من هذا العالَم بصورة آدمية، لتكون عندها من أهل الفلاح والسعادة.

وحذارِ من أن تتصوّر أنّ كلّ ما تقدّم هو موعظة وخطابة. فهذا كلّه نتاج أدلّة فلسفية توصّل إليها الحكماء العظام، وكشْفٌ انكشف لأصحاب الرياضيات، وإخبار عن الصادقين والمعصومين عليهم السلام.
 
26-12-2016 | 14-23 د | 6032 قراءة
الإسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
لوحة المفاتيح العربية
رمز التأكيد

أخر تحديث: 2020-01-10
عدد الزيارات: 4835383

Developed by Hadeel.net جمعية مراكز الإمام الخميني (قدس سره) الثقافية في لبنان