"نحن نفخر بأننا أتباع مذهب وضع أسسه بأمرٍ من الله رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله فيما كلف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هذا العبد المحرر من جميع الأغلال، بتحرير البشرية من كافة القيود والعبوديات. نحن نفخر بأن من فيض إمامنا المعصوم كان نهج البلاغة وهو بعد القرآن الكريم أعظم دستور للحياة بشؤونها المادية والمعنوية وأسمى كتاب لتحرير الإنسان، وتعاليمه في التربية المعنوية وإدارة أمور الحكم هي أنجح سبيل للخلاص"(1).
بهذه الكلمات القصار أنهى إمامنا الخميني رضوان الله عليه حياته وهو يلهج بذكر علي عليه السلام وقلبه كله متعلق بحب علي عليه السلام، الذي حبه هو حب الله سبحانه وتعالى، وقد قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: "ذكر علي عبادة"(2).ويذكر حجة الإسلام والمسلمين إمام جمراني كنت واقفاً عند رأس الإمام وهو راقد على سريره في المستشفى قبل حوالي (48) ساعة من وفاته، شعرت بأنه يذوب وكان يقول: الألم يؤذيني كثيراً، وكانت نسبة تلوث دمه ترتفع بسرعة ولكن كانت ردة فعله تجاه الآلام الشديدة: ذكر الله تبارك وتعالى وذكره مولاه علي عليه السلام(3).
* عاشق الله:
إن لأمير المؤمنين عليه السلام مقاماً عظيماً عند الله سبحانه وتعالى فعرف الله حق المعرفة وعبده عبادة الأحرار يقول الإمام الخميني قدس سره "فعلي بن أبي طالب سلام الله عليه مبدأ سلسلة عشاق الله. لا يطلب الجنة وإنما يطلبها لأنها دار كرامة الله"(4) ويقول رضوان الله عليه "انظر إلى المحب الحقيقي والمجذوب المطلق علي بن أبي طالب ماذا يقول في دعاء كميل: فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك... هذا الحبيب الحقيقي يخاف من الفراق ويطلب أيام الوصال"(5).
المقام المعنوي لأمير المؤمنين عليه السلام:
إن الإمام الخميني قده سره كان أكثر من مرة يبرز المقام السامي والعظيم لأمير المؤمنين عليه السلام ويكفي وصفه "علي عليه السلام هو التجلي العظيم لله"(6). ويتكلم الإمام قدس سره عن الأبعاد الوجودية لأمير المؤمنين عليه السلام فيقول: "هذا العظيم يمتاز بشخصية ذات أبعاد كثيرة، ومظهر لاسم الجمع الإلهي الذي يحوي جميع الأسماء والصفات فجميع الأسماء والصفات الإلهية في ظهورها وبروزها في الدنيا وفي العالم ظهرت في هذه الشخصية بواسطة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وإن أبعاده الخفية هي أكثر من تلك الأبعاد الظاهرة، وإن نفس هذه الأبعاد التي توصل إليها البشر ويتوصل إليها قد اجتمعت في رجل واحد في شخصية واحدة، جهات متناقضة ومتضادة، يمتلك جميع الأوصاف وجميع الكمالات"(7). ويتابع الإمام قدس سره كلامه رداً على هؤلاء الذين لم يعرفوا المقام الحقيقي لأمير المؤمنين عليه السلام فيقول: "يجب علينا أن نأسف لأن الأيدي الخائنة والحروب التي أشعلوها ومثيري الفتن لم يسمحوا لبروز الشخصية الفذة لهذا الرجل العظيم في أبعادها المختلفة"(8).
* الملائكة تخضع لأمير المؤمنين عليه السلام:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "الملائكة يصعدن أجنحتهم تحت قدم أمير المؤمنين عليه السلام. لأنه رجل ينفع الإسلام وينصر الإسلام ويعظمه وقد انتشر الإسلام في الدنيا واشتهر في العالم بواسطته، وفي ظل قيادته وجد المجتمع المحترم والحر والمملوء حيوية وفضيلة، فمن الطبيعي أن تخضع له الملائكة وأن يخضع ويخشع له الجميع، فحتى العدو يخضع أمام عظمته"(9).
* حكومة علي عليه السلام:
إن حكومة أمير المؤمنين هي الحكومة الإلهية المطلقة والوحيدة التي أرست العدالة الاجتماعية بعد حكومة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يقول إمامنا الراحل: "التمسك بولاية ذلك العظيم إنما هو من حيث أنه هو الذي يستطيع أن يقيم العدالة الاجتماعية والعدالة الحقيقية، هو الذي له القدرة على إجرائها. فلا نحن ولا كل البشر نستطيع أن نُجري هذه العدالة ونطبقها فالله تبارك وتعالى لم يجد بين البشر بعد رسول الله من يستطيع إقامة العدالة بذلك النحو، فيأمر رسول الله حينئذٍ أن ينصب أمير المؤمنين الذي يملك إمكانية إجراء العدالة بكل معنى الكلمة في المجتمع ويملك إمكانية تشكيل حكومة إلهية"(10).
* عرفان علي عليه السلام:
مع تعدد المدارس العرفانية واختلاف اتجاهاتها. يرى الإمام الخميني أن المدرسة العرفانية لأمير المؤمنين هي أسلم المدارس وأقومها. حيث أن جميع المدارس الأخرى انحرفت عن الطريق المستقيم. ويذكر الإمام الراحل هؤلاء المنحرفين عن النهج العرفاني في كلام له في ذكرى ولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: "يا أيها العرفاء ألستم أنتم تقولون أن سيد هذه المدرسة وإمامها هو علي بن أبي طالب عليه السلام وتدعون أنكم تنتسبون إليه؟ دلوني إذاً على مغارة كان يختبئ فيها سنوات طويلة، وهل نصب علي بن أبي طالب عليه السلام خيمة في الصحراء وهجر الناس؟ هل تخلى عليه السلام عن أمور المسلمين وقضاياهم وتفرغ للعبادة كما تفعلون أنتم؟ ألم يكن يعيش هموم المسلمين ومشاكلهم؟ هذا هو إمام العارفين وهذا هو إمام المتصوفة... دلوني هل يوجد أحد منكم مثل علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فلو كان السير إلى الله أن يختبئ الإنسان في بيته أو أن يجلس في زاوية من زوايا المسجد لكان الأولى بفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام وأئمة أهل البيت"(11).
* آداب الإمام الخميني مع مولاه أمير المؤمنين عليه السلام
إن الإمام الخميني كان عاشقاً لأهل البيت والعصمة في حركاته وسكناته وكان شديد التعظيم لهم والتأثر بهم، يقول أحد المقربين منه: كان تصرف الإمام عند زيارته للمشاهد المشرفة وأضرحة الأئمة المعصومين عليهم السلام وكأنه كان يرى الإمام المعصوم ناظراً إليه وحاضراً أمام عينيه، فكان أمير المؤمنين عليه السلام هو القدوة الصالحة وكلمة الحق التي صدع بها الإمام الراحل وتحدّى دنيا الظالمين. فكان كلما سمع اسم أمير المؤمنين عليه السلام تأخذه الهيبة. كان الإمام الراحل في فترة تواجده في النجف الأشرف لا يترك زيارة أمير المؤمنين عليه السلام كان يأتي كل ليلة بعد حوالي ثلاث ساعات من غروب الشمس في الصيف والشتاء لزيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام ولم يترك هذا البرنامج أبداً حتى في اليوم الذي وقع فيه الانقلاب في14 العراق وأُعلنت الحكومة العسكرية. ويقول السيد مصطفى: "في تلك الليلة بحثنا عن الإمام فلم نجده داخل غرفته فجُلْنا في أماكن مختلفة من البيت لكننا لم نجده إلى أن صعدنا إلى السطح فرأيناه واقفاً متوجهاً إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام يقرأ الزيارة".
وكان الإمام الراحل قدس سره عندما يزور الضريح الشريف لأمير المؤمنين عليه السلام يتَّبع آداباً خاصة. فكان لا يدخل قبل الاستئذان فإذا انتهى من الاستئذان يدخل الحرم المطهر من الجهة السفلى للضريح المقدس مراعياً ومتقيداً بأن لا يمر من جانب الرأس الشريف لحضرة الأمير عليه السلام. وعندما كان يصل إلى مقابل الضريح يقرأ بكل إخلاص زيارة (أمين الله) أو زيارة أخرى ويرجع مجدداً من الجهة السفلى عند قدمي حضرة الأمير عليه السلام ويجلس في زاوية يقرأ الزيارة والدعاء ثم يصلي ركعتين وبعدها يترك الحرم مغادراً ببدنه باقياً بروحه مع مراعاة الآداب الخاصة بالخروج. كان أمير المؤمنين عليه السلام يعيش في فكره وروحه، كان يجسِّد له كل الإسلام، الإسلام المحمدي الأصيل، وانطلق الإمام الراحل ليؤسس الحكومة الإسلامية حلم الأنبياء والأولياء مستلهماً من حكومة علي عليه السلام وممهداً لحكومة العدل المطلق، حكومة بقية الله الأعظم عجل الله فرجه.
(1) الوصية السياسية الإلهية.
(2) البحار ج38 ص199.
(3) قبسات من سيرة الإمام الخميني (الحياة الاجتماعية) ص341.
(4) جنود العقل والجهل ص370.
(5) جنود العقل والجهل ص369.
(6) تفسير آية البسملة ص31.
(7) منهجية الثورة الإسلامية ص117.
(8) منهجية الثورة الإسلامية ص116.
(9) الحكومة الإسلامية ص210 (ط مؤسسة تنظيم نشر آثار الإمام).
(10) الاستقامة والثبات ص49 50.
(11) دروس في خط الإمام ص8.